ثورة 25 يناير فشلت على يد تحالف النظام والإخوان
هذا هو شكل الحكم القادم في مصر |
تحديدا هذا ما قاله الكاتب الصحفي عادل حمودة في مقاله بجريدة الفجر ملقيا باللوم على عملية التباطؤ التى اكتنفت القرارات التي صاحبت فترة ما بعد الثورة وراصدا لعملية منظمة لإتاحة الفرصة للتيارات الدينية للقفز على الثورة وإفساح المجال لها حتى تحتل الشارع السياسي تماما وهو ما ظهر في إستفتاء تعديلات الدستور
المقالة التى كتبها عادل حمودة يراهن فيها بكل تاريخه الصحفي في لحظة صدق خشى كثيرون أن يعيشوها مفضلين الحياة في ظل نسب الإعلانات والرواتب المتضخمة التى يحصلون عليها لكن عادل حمودة قرر أن يكشف الجميع في مقاله الذي نورده كاملا دون تدخل منا
عادل حمودة يكتب: البقاء لله.. ثورة يناير ماتت في مارس.. وستدفن في سبتمبر.. ولا عزاء للشهداء
الكاتب الحق لا يساوم.. لا يختبئ تحت اللحاف وقت العاصفة.. لا ينزل إلي المخبأ في الغارة.. ل يكتفي برؤية بلاده وهي تحترق.. لكنه.. يفعل شيئ لإنقاذها. ويعرف كل من يتبعني أنني كتبت ونشرت وفجرت وواجهت وحوكمت وهوجمت وصلبت وقت أن كان غيري موافقا علي كل الشخصيات والسياسات والحكومات.. ويمطرها بالقبلات.. ثم ما إن تهاوي النظام حتي انتقل من ستر العورة إلي الدفاع عن الثورة بدعوي أنه كان مسطولا ومهبولا واقعا تحت سحر المشعوذين. لقد تكلمت وقت أن وضعت شرائط البلاستر علي الأفواه.. فكيف أخشي الكلام في وقت فتحت فيه المعتقلات.. وانطلقت شرارة الحريات.. ولاحت في الأفق أبواب الجنات التي تجري من تحته الأنهار؟
1
تضاعفت الحراسة علي مبارك في شرم الشيخ.. سيارات شرطة تسد الطريق إليه.. مدافع مستعدة للدفاع عنه.. وقطع بحرية تقف علي شاطئ البحر الذي يتمشي عليه. لكن.. الأهم أنه لايزال يفرض نفسه علي المشهد السياسي رغم اختفائه منه.. فأبرز الوجوه التي اتهمت بالفساد هو الذي أحالها.. والتعديلات الدستورية التي أقرت هو الذي اقترحها.. وأسلوبه البطيء المخيب للآمال في اتخاذ القرار لا يزال سائدا.. وموهبته في الترقيع والترميم والتخدير مستمرة.. وتحذيره من الفوضي وسيطرة التيارات الدينية المتعصبة والمتشددة تحقق.. إن مبارك دون تزويق للكلمات لا يزال يحكمنا.. إذا لم يكن بشخصه فبطريقته. ولست متحمسا لإلقاء التهمة علي من يوصفون بـ"فلول الحزب الوطني" في تخريب الثورة.. فالحزب الوطني كان لا يزيد علي سوبر ماركت سياسي لا يدخله إلا من يجيد البيع والشراء ودفع عمولة السمسرة وترك البقشيش علي الباب. أما البلطجية الذين كانوا يمثلون إحدي أماناته الخفية فقد تفرقوا.. وتناثروا.. وراح كل منهم يمارس إجرامه بمفرده.. في نوع مختلف من الخصخصة.. لنفاجأ بجماعات منظمة تخرج من تحت الأرض.. في وقت واحد.. في كل عواصم المحافظات.. لتحرق أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة والمحاكم والسجل المدني والسجون التي فيه رجالهم وأنصارهم.. مستغلة كراهية الشعب للدولة البوليسية التي حكمته بالحديد والنار.. مستفيدة من حماس شباب الثورة للتغيير والتطهير.. لكن.. هذه الجماعات كانت في الحقيقة تحرق ملفاته وسجلاتها وتمحو من الوجود تاريخها الأسود الذي لا يخلو من العنف والقتل والتخريب علي مدي سنوات طويلة وعصور حكم مختلفة.. إن القوي المضادة للثورة كانت للأسف جزءا من القوي التي شاركت في الثورة.. ثم استغلتها.. وانفردت بها.. وطوعتها إلي مصالحها.. أملا في تحقيق حلم طال انتظاره.. أن تحكم مصر. لكن.. لا أحد من أهل السلطة الحالية يريد أن يتوقف عند هذه الحقيقة.. لا أحد منهم يريد أن يعترف بذلك وهم يعلمونه جيدا.. لا أحد منهم فتح تحقيقا فيه.. أو طلب تقريرا عنه.. وكأنهم سعداء به. إن لجنة محايدة لتقصي الحقائق ستكشف أن جماعة الإخوان المسلمين ليست بعيدة عن كثير مم جري علي هوامش الثورة.. وخلال اشتعالها.. ربم من باب الانتقام.. ربما تعبيرا عن غريزة شرسة كانت مكبوتة.. ربما لتمهيد طريق الحكم بسهولة.. دون "فيش وتشبيه".. أو صحيفة سوابق. بل.. أكثر من ذلك وجدنا أهل السلطة القائمة يمدون أيديهم إلي الجماعة بحيوية غير مفهومة.. ويتركون لها مهمة تعديل الدستور.. ويسارعون بإجراء انتخابات تشريعية يعرفون مقدما أنها تملك الفرصة الأكبر للفوز بها.. ليُشكَّل برلمان ملتح متعصب متشدد ستختار منه لجنة إعداد الدستور الجديد الذي سيؤسس لنظام سياسي يمنحه فرصة البقاء في السلطة إلي يوم القيامة. ولا تصدقوا ما تقوله الجماعة عن التسامح مع الأقباط.. وحماسها للدولة المدنية.. وإيمانه بالديمقراطية.. فهي توزع الأدوار علي رموزها.. هناك من يتكلم بلغة الشعر.. وهناك من سينزل الشارع حاملا الملوتوف.. هناك من يقدم نفسه علي أنه محمد عبد الوهاب الموسيقار ثم نكتشف أنه محمد بن عبد الوهاب الوهابي.. فالطبع يغلب التطبع.. والأيام بيننا. ويكفي أن نتذكر شهادة شباب الثورة الذين أجمعوا فيها علي أن الإخوان الذين عاشروهم في التحرير ليسوا هم الإخوان الذين وجدوهم وقت الاستفتاء.. وبالمثل.. سيري الأقباط والنساء أن الإخوان الذين يتملقونهم الآن لن يكونوا الإخوان الذين سيتعاملون معهم فيما بعد.. إن التنظيمات السياسية لا تهرب من ماضيها مهما تنكرت وتجملت وإلا ما بقيت واستمرت.. فالذئب سيظل ذئبا ولو كتب في بطاقته الشخصية أنه يعمل في شركة دواجن. بمحاباة الإخوان التي لا تنكر فقدت الثورة هويتها.
2
وما حدث في أطفيح يستحق شعورا مضاعف بالقلق.. لقد ذهب عضو في المجلس العسكري لحل الأزمة.. وتنفيذ قرار بناء الكنيسة المصابة من جديد علي نفقة الجيش.. لكنه.. كاد يدفع حياته ثمن لشراسة الجماعة السلفية هناك.. وتعرض الكاهن لإهانة لم يستطع محوها.. واقترح الجنرال الطيب بناء كنيسة أخري خارج الزمام.. ثم اكتشف أنه لو استسلم لهذه الفكرة لهدمت كل الكنائس وبنيت غيرها في حلايب وشلاتين.. ولم يجد مفرا من أن يستعين بالشيخ محمد حسان.. وبالمرة عمرو خالد. القوة الشرعية الوحيدة التي نلجأ إليها بحثا عن الحماية تضطر أن تلجأ إلي واحد منهم كي يقنعهم.. أليس في ذلك تسليم بدولة أخري غير دولة القانون؟.. ألم يؤد هذا التسليم إلي تكبيرة الشيخ حسين يعقوب وهو يتحدث عن غزوة الصناديق داعيا من لا يعجبه إلي أن يهاجر إلي أمريكا وكندا؟.. ألم يفتح ذلك الباب لقطع أذن قبطي لم يسمع الكلام ومطاردة امرأة ترتدي الحجاب ولا تعترف بالنقاب ووضع شروط خاصة للسياحة لا تناسب طبيعتها والهجوم علي بيوت نساء بحجة الكشف عن الرذيلة؟ ولو كان القبطي تنازل عن حقه بسبب خوفه علي حياته وحياة عائلته فأين حق المجتمع الذي ترعاه وتصونه النيابة العامة؟ لقد فتح الباب علي مصراعيه لتنظيمات سلفية نصبت نفسها حكما وقاضيا أخلاقيا ودينيا لمحاسبة كل من تراه مخالفا لما تعتقد.. وكل تنظيم حسب هواه.. وحسب فهمه.. وليس شرطا بالقطع أن يكون دارسا للشريعة.. فهذا أمر لا يهم.. وليس شرطا أن يكون عالما فقيها.. وإنما يكفي أن يعرف كيف يتلاعب بمشاعر البسطاء؟.. فهو يملك صكوك الغفران.. وتذاكر دخول الجنة.. وشيكات النجاة من النار.. أستغفر الله. وبالاستسلام للمليشيات الدينية فقدت الثورة أهدافها.
3
وعادة ما تحاكم الثورات رموز النظام الذي تخلصت منه في محاكمات سياسية خاصة ترضي الشعب وتشفي غليله.. فالجرائم التي ارتكبوه غالبا ما لا يكون لها وجود في قانون العقوبات وإل كانوا قد أزالوها منه. لكن.. ذلك لم يحدث.. فالتحقيقات والمحاكمات التي تجري تقتصر علي الفساد المالي ولا تمتد إلي ما هو أهم.. الفساد السياسي.. أصل كل فساد ومنبعه ومأمنه.. فنحن نترك الساق ونمسك في الأوراق.. وهو ما لا يرضي الناس.. وما يجعلهم يتساءلون عن شخصيات بعينها لم تمثل أمام جهات العدالة.. لماذا لم يأتوا؟.. لماذا ينعمون بحريتهم وكانو مصدر البلاء في البلاد؟ أيهما أدق.. أن أقدم أحمد عز بتهمة احتكار الحديد أم بتهمة احتكار السلطة؟.. أليست هناك جرائم مصيرية مثل تزوير الانتخابات وتكريس قوات الشرطة لدعم التوريث كان يجب أن يقدم بها حبيب العادلي للمحاكمة؟.. ألم يعبث زكريا عزمي بالدور الذي لعبه بمصير هذه الأمة وفي الوقت نفسه كان حريصا علي تستيف أوراق مصادر ثروته بما يبعده عن المساءلة؟ إن الجرائم التي ارتكبها رجال النظام السابق ل وجود لها في القوانين القائمة.. وسيفرون بم ارتكبوا من العدالة القائمة.. وسيخرجون ألسنتهم إلي الثوار الذين تصورا أنهم هدموا المعبد فوق رؤوسهم لأننا لم نحاكمهم المحاكمة السياسية التي يستحقونها. والمؤكد أن وراء إهمال المحاكمات السياسية سببا وجيها.. إنها إذا بدأت بأحمد عز ستأتي بجمال مبارك.. ولو جاءت قدم زكريا عزمي ستأتي قدم حسني مبارك.. ولو سمعنا اسم فرخندة حسن أو آمال عثمان سنسمع سيرة سوزان صالح ثابت.. وهي اسماء علي ما يبدو محمية.. فلا يزال الرئيس السابق وعائلته فوق المحاسبة.. وهذه أقوي ضربة وجهت للثورة.. وجعلت منها حادثا عاديا.. نشعر بآلام مخاضه ول نري جنينا في الطريق. ولا أريد أن أصيبكم بصدمة مروعة لو قلت إن التهم التي وجهت إلي من في السجون الآن ربم تنتهي بهم إلي البراءة لو أخذت العدالة مجراه السليم.. وساعتها لا أحد يتحدث عن إحباط أو يأس.. فكل شيء يبدو أمامي مسرحية متقنة الدراما وإن تفتقد الإقناع والصدق.. ساعته سيحطم الجمهور مقاعد دور العرض صارخا:"سينما أونطة". ولا تأملوا خيرا في إعادة أموال عائلة مبارك.. ول في استرداد الثروات المنهوبة التي هربت إلي الخارج.. فلو كانت لدينا النية فليست لدينا الرغبة.. ولو كانت لدينا الرغبة فليست لدينا الخبرة. لقد نشرنا في العدد الماضي ملف شركات جمال مبارك في الخارج والداخل وأثبتنا أنها تلعب في البورصة وتستخدم نفوذه السياسي في تحقيق ثراء مالي.. لكن.. لا أحد فكر في إحالته إلي الرقابة المالية في هيئة سوق المال لكشف ما كان يفعل.. ل أحد طلب من البنك المركزي القبرصي الذي تسجل شركات جمال مبارك في دفاتره أن يرسل إلي الحكومة المصرية نسخا من ملفاته وحساباته.. لسبب بسيط.. أنه جمال مبارك الذي لا يزال يتمتع بحصانة وحماية.. لن يمسسه بسببهم أحد.. إن هناك جرائم اقتصادية ارتكبها أقل بكثير من الجرائم التي نسبت إلي رجال الأعمال الذين يحاكمون الآن.. لكنه حتي هذه اللحظة لا يزال يعامل معاملة ابن الرئيس. وبالمحافظة علي سدنة النظام المتنحي فقدت الثورة كيانها.
4
وتشرط اللعبة الديمقراطية أن تبدأ كل القوي المتنافسة من نفس النقطة قبل أن تنطلق في سباق الانتخابات المختلفة.. لكن.. طريقة إدارة انتقال السلطة بدستور لم يضعه الشعب.. وببرنامج زمني فوجئ به.. جعل قوي الإخوان والسلفية والجماعات الجهادية والقبلية والعصبية وأصحاب القدرة المالية يسبقون بمسافات واضحة قوي الثورة الليبرالية التي لا يزيد عمرها علي شهرين.. ولم تتجاوز بعد مرحلة الحضانة السياسية. صحيح أنهم يستطيعون تكوين أحزابهم بورقة إخطار.. لكن.. صحيح ايضا أن مهلة الستة أشهر المتاحة لهم لدخول الانتخابات التشريعية المهمة ل تكفي لتجميع كل فصيل منهم ليضع برنامجه ويختار مقار حزبه ويحدد مرشحيه ويدبر مصارد تمويل حملاته الدعائية.. إن ستة أشهر لن تكفي للبحث عن شقة في مكان مناسب.. إيجار جديد. ولا تفسير للخلل في تقدير المسافات سوي أن المجلس العسكري سلم البلاد لتيارات ستقضي علي الدولة المدنية المصرية.. مؤسسة لدولة دينية.. ستعيدنا إلي عصور الجاهلية.. مع كل التقدير لتصريحه العريض :"لسنا إخوانجية ول جماعة سلفية".. فالطريق إلي جهنم مفروش بالنيات الطيبة. للمرة المليون.. ضربة البداية التي تحقق هدف الثورة هي دستور جديد يؤسس نظاما مدني ديمقراطيا يتساوي فيه المواطنون دون تفرقة.. ولو كان هناك إصرار علي أن تكون الانتخابات البرلمانية في موعدها فليس هناك ما يلزم أن تشكل اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور من أعضاء مجلس الشعب الجديد.. فاللجنة التأسيسية يجب أن تعبر عن كل طوائف ورموز الأمة سواء نزلت الانتخابات أو ترفعت عنها. وبالإصرار علي تحجيم وإحراج القوي الثورية الليبرالية سيذهب دم الشهداء هدرا.. ولن يكون في رقبة من قتلوهم في المظاهرات فقط وإنما في رقبة من قتلوا أحلامهم ببرنامج متعجل للتغييرات أيضا.
5
إن كل مظاهر النظام الجديد لاتزال سائدة.. بل تضاعفت حجما.. وزادت تأثيرا.. الطائفية.. البلطجة.. التمييز.. العجز عن التغيير.. البطء في اتخاذ القرار.. التصرف بعيدا عن إرادة الشعب.. حماية رموز الفساد السياسي من الحساب والعقاب.. واضيف إلي ذلك.. غياب الأمن.. زيادة البطالة.. تضخم الأسعار.. زيادة تكاليف المعيشة.. اضطراب الاقتصاد القومي.. اختفاء ملامح المستقبل خلف ضباب المجهول.. تسويد الدنيا في عيوننا.. وقبل ذلك وبعده ضياع الثورة والإجهاز عليها وهي في مهدها. إنني مُصر علي ألا أندم علي نظام مبارك.. لكن.. يبدو أن هناك من يلح ويدفع ويضغط كي نعلن ندمنا عليه وتوبتنا من الثورة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق